فصل: ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر دخول أبي حمزة المدينة

وفي هذه السنة دخل أبو حمزة المدينة ثالث عشر صفر ومضى عبد الواحد منها إلى الشام وكان أبو حمزة قد أعذر إليهم وقال لهم‏:‏ ما لنا بقتالكم حاجة دعونا نمض إلى عدونا‏.‏

فأبى أهل المدينة فلقيهم فقتل منهم خلقًا كثيرًا ودخل المدينة فرقي المنبر وخطبهم وقال لهم‏:‏ يا أهل المدينة‏!‏ مررت بكم زمان الأحول يعني هشام بن عبد الملك وقد أصاب ثماركم عاهة فكتبتم إليه تسألونه أن يضع عنكم خراجكم ففعل فزاد الغني غنى الفقير فقرًا فقلتم له‏:‏ جزاك الله خيرًا فلا جزاكم الله خيرًا فلا جزاكم الله خيرًا ولا جزاه خيرًا‏!‏ واعلموا يا أهل المدينة أنا لم نخرج من ديانا أشرًا ولا بطرًا ولا عبثًا ولا الدولة ملك نريد ان نخوض فيه ولا لثأر قديم نيل منا ولكنا لما رأينا مصابيح الحق قد عطلت وعنف القائل بالحق وقتل القائم بالقسط ضاقت علينا الأرض بما رحبت وسمعنا داعيًا يدعو إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن فأجبنا داعي الله ‏{‏ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض‏}‏ ‏[‏الأحقاق‏:‏ 2‏:‏ 32‏]‏‏.‏ فاقبلنا من قبائل شتى ونحن قليلون متسضعفون في الأرض فآوانا الله وأيدنا بنصره فأصبحنا بنعمته إخوانًا ثم لقينا رجالكم بقديد فدعوناهم إلى طاعة الرحمن وحم القرآن فدعونا إلى طاعة الشيطان فيهم بجرانه وغلت بدمائهم مراجلة وصدق عليهم ظنه وأقبل أنصار الله عز وجل عصائب وكتائب بكل مهند ذي رونق فدارت رحانا واستدارت رحاهم بضرب يرتاب به المبطلون وأنتم يا أهل المدينة إن تنصروا مروان وآل مروان يسحتكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ويشف صدور قوم مؤمنين التوبة‏:‏ 14‏.‏

يا أهل المدينة أو لكم خير أول وآخركم شر آخر‏!‏ يا أهل المدينة أخبروني عن ثمانية أسهم فرضها الله عز وجل في كتابه على القوي والضعيف فجاء تاع ليس له فيها سهم فأخذها لنفسه مكابرًا محاربا ربه‏.‏يا اهل المدينة بلغني أنكم تنقصون أصحابي‏!‏ قلتم شباب أحداث وأعراب حفاة‏!‏ ويحكم‏!‏ وهل كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا شبابًا أحداثًا وأعرابًا حفاة هم والله مكتهلون في شبابهم غضة عن الشر أعينهم ثقيلة عن الباطل أقدامهم‏.‏

وأحسن السيرة مع أهل المدينة واستمال حتى سمعوه يقول‏:‏ من زنى فهو كافر ومن سرق فهو كافر ومن شك في كفرهما فهو كافر‏.‏

وأقام أبو حمزة بالمدينة ثلاثة أشهر‏.‏

  ذكر قتل أبي حمزة الخارجي

ثم إن أبا حمزة ودع أهل المدينة وقال لهم‏:‏ يا أهل المدينة إنا خارجون إلى مروان فإن نظفر نعدل في إخوانكم ونحملكم على سنة نبيكم وإن يكن ما تتمنون فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون الشعراء‏:‏ 227‏.‏

ثم سار نحو الشام وكان مروان قد انتخب من عسكره أربعة آلاف فارس واستعمل عليهم عبد الملك بن محمد بن عطسة السعدي سعد هوازن وأمره أن يجد السير وأمره أن يقاتل الخوارج فإن هو ظفر بهم يسير حتى يبلغ اليمن ويقالتل عبد الله بنم حيحى طالب الحق‏.‏

فاسر ابن عطية فالتقى أبا حمزة بوادي القرى فقال أبو حمزة لأصحابه‏:‏ لا تقاتلوهم حتى تختبروهم‏.‏

فصاحوا بهم‏:‏ ما تقولون في القرآن والعمل به فقال ابن عطية‏:‏ نضعه في جوف الجوالق‏.‏

فقال‏:‏ فما تقولون في مال اليتيم قال ابن عطية‏:‏ نأكل ماله ونفجر بأمه في أشياء سألوه عنها‏.‏

فملا سمعوا كلامه قاتلوه حتى أمسوا وصاحوا‏:‏ ويحك يا بن عطية‏!‏ إن الله قد جعل الليل سكنًا فاسكن‏.‏ فأبى وقاتلهم حتى قتلهم وانهزم أصحاب أبي حمزة من لم يقتل وأتوا المدينة فلقيهم فقتلهم وسار ابن عطية إلى المدينة فأقام شهرًا‏.‏

وفيمن قتل مع أبي حمزة عبد العزيز القارئ المدني المعروف بيشكست النحوي وكان من أهل المدينة يكتم مذهب الخوارج فلما دخل أبو حمزة المدينة انضم إليه فملا قتل الخوارج قتل

  ذكر قتل عبد الله بن يحيى

ولما أقام ابن عطية بالمدينة شهرًا سار نحو اليمن واستخلف على المدينة الوليد ابن عروة بن محمد بن عطية واستخلف على مكة رجلًا من أهل الشام وقصد اليمن وبلغ عبد الله بن يحيى طالب الحق مسيره وهو بصنعاء فاقبل إليه بمن معه فالتقى هو وابن عطية فاقتتلوا فقتل ابن يحيى وحمل رأسه إلى مروان بالشام ومضى ان عطية إلى صنعاء‏.‏

  ذكر قتل ابن عطية

ولما سار ابن عطية إلى صنعاء دخلها وأقام بها فكتب إليه مروان يأمره أن يسرع إليه السير ليحج بالناس فسار في اثني عشر رجلًا بعهد مروان على الحج ومعه أربعون ألفًا وسار وخلف عسكره وخيله بصنعاء ونزل الجرف فأتاه ابنا جهانة المراديان في جمعٍ كثير وقالوا له ولأصحابه‏:‏ أنتم لصوص‏!‏ فأخرج ابن عطية عهده على الحج وقال‏:‏ هذا عهد أمير المؤمنين بالحج وأنا ابن عطية‏.‏

قالوا‏:‏ هذا باطل فانتم لصوص‏.‏

فقاتلهم ابن عطية قتالًا شديدًا حتى قتل‏.‏

  ذكر إيقاع قحطبة بأهل جرجان

وفي هذه السنة قتل قحطبة بن شبيب من أهل جرجان ما يزيد على ثلاثين ألفًا‏.‏

وسبب ذلك أنه بلغه عنهم بعد قتل نباتة بن حنظلة أنهم يريدون الخروج عليه فبما بلغه ذلك دخل إليهم واستقرر منهم فقتل منهم من ذكرنا وسار نصر وكان بقومس حتى نزل خوار الري وكاتب ابن هبيرة يستمده وهو بواسط مع ناس من وجوه أهل خراسان وعظم الأمر عليه وقال له‏:‏ غني قد كذبت أهل خراسان حتى ما أحد منهم يصدقني فأمدني بعشرة آلاف قبل أن تمدني بمائة ألف لا تغني شيئًا‏.‏

فحبس ابن هبيرة ليعلموه أمر الناس قبلنا ورسأللته المدد فاحتبس رسلي ولم يمدني بأحد وإنما أنا بمنزلة من أخرج من بيته إلى حجرته ثم أخرج من حجرته إلى داره ثم من داره إلى فناء داره فإن أدركه من يعينه فعسى أن يعود إلى داره وتبقى له وإن أخرج إلى الطريق فلا دار له ولا فناء‏.‏

فكتب مروان إلى ابن هبيرة يأمره أن يمد نصرًا وكتب إلى نصر يعلمه ذلك وجهز ابن هبيرة جيشًا كثيفًا وجعل عليم ابن غطيف وسيرهم إلى نصر‏.‏

  ذكر عدة حوادث

غزا الصائفة هذه السنة الوليد بن هشام فنزل العمق وبنى حصن مرعش‏.‏

وفيها وقع الطاعون بالبصرة‏.‏

وحج بالناس هذه السنة محمد بن عبد الملك بن مروان وكان هو أمير مكة والمدينة والطائف وكان بالعراق يزيد بن عمر بن هبيرة وكان على قضاء الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربي وعلى قضاء البصرة عبادة بن منصور وكان الأمير بخرايان نصر بن سيار والأمر بخراسان على ما وصفت‏.‏

قلت‏:‏ قد ذكر أبو جعفر ها هنا أن محمد بن عبد الملك حج بالناس وكان أمير مكة والمدينة وذكر فيما تقدم أن عروة بن الوليد كان على المدينة وذكر في آخر سنة إحدى وثلاثين أن عروة أيضًا كان على المدينة ومكة والطائف وأنه حج بالناس تلك السنة‏.‏

في هذه النة مات أبو جعفر بن القعقاع القرئ مولى عبد الله بن عباس المخزومي بالمدينة وقيل‏:‏ سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بقديد‏.‏

وفيها توفي أيوب بن أبي تميمة السختياني وقيل‏:‏ سنة تسع وعشرين وعمره ثلاث وستون سنة‏.‏

وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري وقيل‏:‏ سنة اثنتين ومائة وقيل‏:‏ سنة أربع وثلاثين ومائة ويكنى ابا نجيح‏.‏

وفيها توفي محمد بن مخرمة بن سليمان وله سبعون سنة‏.‏

وأبو وجرة السعدي يزيد بن عيد‏.‏

وأبو الحويرث‏.‏

ويزيد بن أبي ملك الهمداني‏.‏

ويزيد ابن رومان‏.‏

وعكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‏.‏

وعبد العزيز ابن رفيع بضم الراء المهملة وفتح الفاء وبالعين المهملة وهو أبو عبيد الله المكي الفقيه وكان قد قارب مائة سنة وكان لا يثبت معه امرأة لكثرة نكاحه‏.‏

وإسماعيل بن أبي حكيم كاتب عمر بن العزيز‏.‏

ويزيد بن أبان وهو المعروف بيزيد الرشك وكان قسامًا بالبصرة‏.‏

وحفص بن سليمان بن المغيرة وكان مولده سنة ثمانين يروى قراءة عاصم عنه

 ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائة

  ذكر موت نصر بن سيار

وفي هذه السنة مات نصر بن سيار بساوة قرب الري‏.‏

وكان سبب مسيره إليها أن نصرًا سار بعد قتل نباته إلى خوار الري وأميرها أبو بكر العقيلي ووجه قحطبة ابنه الحسن إلى نصر في المحرم من سنة إحدى وثلاثين ومائة ثم وجه أبا كامل وأبا القاسم محرز بن إبراهيم وأبا العابس المروزي إلى الحسن ابنه فلما كانوا قريبًا من الحسن انحاز أبو كامل وترك عسكره وأتى نصرًا فصار معه وأعلمه مكان الجند الذين فارقهم‏.‏

فوجه إليهم نصر جندًا فهرب جند قحطبة منهم وخلفوا شيئًا من متاعهم فأخذه أصحاب نصر فبعث نصر إلى أبن هبيرة فعرض له ابن غطيف بالري فأخذ الكتاب من رسول نصر المتاع وبعث به إلى ابن هبيرة فغضب نصر وقال‏:‏ أما واله لأدعن ابن هبيرة فليعرفن أنه ليس

وكان ابن غطيف في ثلاثة آلاف قد سيره ابن هبيرة إلى نصر فأقام بالري فلم يأت نصرًا وسار نصر حتى نزل الري وعليها حبيب بن يزيد النهشلي فلما قدمها نصر سار ابن غطيف منها إلى همذان وفيها مالك ابن أدهم بن محرز الباهلي فعدل ابن غطيف عنها إلى أصبهان إلى عامر ابن ضبارة فلما قدم نصر الري أقام بها يومين ثم مرض وكان يحمل حملًا فلما بلغ ساوة مات فلما مات بها دخل أصحابه همذان‏.‏

وكانت وفاته لمضي اثنتي عشرة ليلةً من شهر ربيع الأول وكان عمره خمسًا وثمانين سنة وقيل‏:‏ إن نصرًا لما سار من خوار الري متوجها نحو الري لم يدخل الري ولكنه سلك المفازة التي بين الري وهمذان فمات بها‏.‏

  ذكر دخول قحطبة الري

ولما مات نصر بن سيار بعث الحسن بن قحطبة خزيمة بن خازم إلى سمنان وأقبل قحطبة من جرجان وقدم أمامه زياد بن زرارة القشيري وكان قد ندم على ابتاع أبي مسلم فانخذل عن قحطبة فأخذ طريق أصبهان يريد أن يأتي عامر بن ضبارة فوجه قحطبة المسيب بن زهيرة الضبي فلحقه من غدٍ بعد العصر فقاتله فانهزم زياد وقتل عامة من معه ورجع المسيب بن

ثم سار قحطبة إلى قومس وبها ابنه الحسن وقدم خزيمة بن خازم سمنان فقدم قحطبة ابنه الحسن إلى الري‏.‏

وبلغ حبيب بن بديل النهشلي ومن معه من أهل الشام مير الحسن فخرجوا عن الري ودخل الحسن في صفر فأقام حتى قدم أبوه ولما قدم قحطبة الري كتب إلى أبي مسلم يعلمه بذلك‏.‏

ولما استقر أمر بني العباس بالري هرب أكثر أهلها لميلهم إلى بني أمية لأنهم كانوا سفيانية فأمر أبو مسلم بأخذ أملاكهم وأموالهم ولما عادوا من الحج أقاموا بالكوفة سنة اثنتين وثلاثين ومائة ثم كتبوا إلى السفاح يتظلمون من أبي مسلم فأمر برد أملاكهم فأعاد أبو مسلم الجواب يعرف حالهم وأنهم أشد الأعداء فلم يسمع قوله وعزم على أبي مسلم برد أملاكهم ففعل‏.‏

ولما دخل قحطبة الري وأقام بها أخذ أمره بالحزم والاحتياط والحفظ وضبظ الطرق وكان لا يسلكها أحد إلا بجواز منه فأقام بالري وبلغه أن بدستبى قومًا من الخوارج وصعاليك تجمعوا بها فوجه إليهم أبا عون في عسكر كثيف فنازلهم ودعاهم إلى كتاب الله وسنة رسوله وإلى الرضاء من آل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يجيبوه فقالتلهم قتالًا شديدًا حتى ظفر بهم فتحصن عدة منهم حتى آمنهم أبو عون فخرجوا إليه وأقام معه بعضهم وتفرق بعضهم‏.‏

وكتب أبو مسلم إلى أصبهبذ طبرستان يدعوه إلى الطاعة وأداء الخراج فأجابه إلى ذلك وكتب

فغضب أبو مسلم وكتب إلى موسى بن كعب وهو بالري يأمره بالمسير إليه وقتاله إلى أن يذعن بالطاعة فسار إليه وراسله فامتنع من الطاعة وأداء الخراج فأقام موسى ولم يتمكن من المصمغان لضيق بلاده وكان المصمغان يرسل إليه كل يوم عدة كثيرة من الديلم يقاتله في عسكره وأخذ عليه الكرق ومنع الميرة وكثرت في أصاب موسى الجراح والقتل‏.‏

فملا رأى أنه لا يبلغ غرضًا عاد إلى الري ولم يزيل المصمغان ممتنعًا إلى أيام المنصور فأغزاه جيشًا كثيفًا عليهم حماد بن عمرو ففتح دنباوند على يده‏.‏

ولما ورد كتاب قحطبة على أبي مسلم بنزوله الري ارتحل أبو مسلم فيما ذكر عن مرو فنزل نيسابور‏.‏

وأما قحطبة فإنه سير ابنه الحسن بعد نزووله الري بثلاث ليالٍ إلى همذان فلما توجه إليها سار عنها مالك بن أدهم ومن كان بها من أهل الشام وأهل خراسان إلى نهاوند فأقام بها وفارقه ناس كثير ودخل الحسن همذان وسار منها إلى نهاوند فنزل على أربعة فراسخ في المدينة وحصرهم‏.‏

  ذكر قتل عامر بن ضبارة ودخول قحطبة أصبهان

وكان سبب قتله أن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر لما هزمه ابن ضبارة مضى هاربًا نحو خراسان وسلك إليها طريق كرمان وسار عامر في أثره‏.‏

وبلغ ابن هبيرة مقتل نباتة بن حنظلة بجرجان فلما بلغه خبره كتب إلى ابن ضبارة وإلى ابنه داود بن يزيد بن عمر بن هيرة أن يسيرا إلى قحطبة وكانا بكرمان فسارا في خمسين ألفًا فنزلوا باصبهان وكان يقال لعسكر ابن ضبارة عسكر العساكر‏.‏

فبعث قحطبة إليهم جماعةً من القواد وعليهم جمعًا مقاتل بن حكيم العكي فساروا حتى نزلوا قم وبلغابن ضبارة نزلو الحسن بن قحطبة بنهاوند فسار ليعين من بها منأصحاب مروان فأرسل العكي من قم إلى قحطبة يعلمه يعلمه بذلك فأقبل قحطبة من الري حتى لحق مقاتل بن حكيم العكي ثم سار فالتقوا هم وابن ضبارة ودواد بن يزيد بن هبيرة وكان عسكر قحطبة عشرين ألفًا فيهم خالد ابن برمك‏!‏ وكان عسكر ابن ضبارة مائة ألف وقيل خمسين ومائة ألف فأم قحطبة بمصحف فنصب على رمح ونادى‏:‏ يا اهل الشام‏!‏ إنا ندعوكم إلى ما في هذا المصحف‏!‏ فشتموه وأفحشوه في القول‏.‏

فأرسل قحطبة إلى أصحابه يأمرهم بالحملة فحمل عليهم العكي وتهايج الناس ولم يكن بينهم

كثير قتالٍ حتى انهزم أهل الشام وقتلوا قتلًا ذريعًا وانهزم ابن ضبارة حتى دخل عسكره وتبعه قحطبة فنزل ابن ضبارة ونادى‏:‏ إلي إلي‏!‏ فانهزم الناس عنه وانهزم داود بن هبيرة فسأل عن ابن ضبارة فقيل‏:‏ انهزم‏.‏

فقال‏:‏ لعن الله شرنا منقلبًا‏!‏ وقاتل حتى قتل‏.‏

وأصابوا عسكره وأخذوا منه ما لا يعلم قدره من السلاح والمتاع والرقيق والخيل وما رئي عسكر قط كان فيه من أصناف الأشياء ما في هذا العسكر كأنه مدينة‏.‏

وكان فيه من البرابط والطنابير والمزامير والخمر ما لا يحصى‏.‏

وأرسل قحطبة بالظفر إلى ابنه الحسن وهو بنهاوند وكانت الوقعة بنواحي أصبهان في رجب‏.‏

  ذكر محاربة قحطبة أهل نهاوند ودخولها

ولما قتل ابن ضبارة كتب قحطبة بذلك إلى ابنه الحسن وهو يحاصر نهاوند فلما أتاه الكتاب كبر هو وجنده ونادوا بقتله فقال عاصم بن عمير السعدي‏:‏ ما نادى هؤلاء بقتله إلا وهو حق‏!‏ فاخرجوا إلى الحسن بن قحطبة فإنكم لا تقومون له فتذهبون حيث شئتم قبل أن يأتيه أبوه أ مدد من عنده‏.‏

فقالت الرجالة‏:‏ تخرجون وأنتم فرسان على خيول وتتركونا وقال له مالك بن أدهم الباهلي‏:‏ لا

وأقام قحطبة على أصبهان عشرين يومًا ثم سار فقدم على ابنه بنهاوند فحصرهم ثلاثة أشهر‏:‏ شعبان ورمضان وشوال ووضع عليهم المجانيق وأرسل إلى من بنهاوند من أهل خراسان يدعوهم إليه وأعطاهم الأمان فأبو ذلك‏.‏

ثم أرسل إلى أهل الشام بمثل ذلك فأجابوه وقبلوا أمانه وبعثوا إليه يسألونه أن يشغل عنهم أهل المدينة بالقتال ليفتحوا له الباب الذي يليهم ففعل ذ 1 لك قحطبة وقاتلهم ففتح أهل الشام الباب فخرجوا فلما رأى أهر خراسان ذلك سألوهم عن خروجهم فقالوا‏:‏ أخذنا الأمان لنا ولكم‏.‏

فخرج رؤساء أهل خراسان فدفع قحطبة كل رجل منهم إلى قائد من قواده ثم أمر فنودي‏:‏ من كان بيده أسير ممن خرج إلينا فليضرب عنقه وييأتنا برأسه‏!‏ ففعلوا ذلك فلم يبق أحد ممن كان قد هرب من أبي مسلم إلا قتل إلا أهل الشام فإنه وفي لهم وخلى سبيلهم وأخذ عليهم أن لا يملئوا عليه عدوًا ولم يقتل منهم أحدًا وكان ممن قتل من أهل خراسان‏:‏ أبو كامل وحاتم بن لحارث بن سريج وابن نصر بن سيار وعاصم بن عمير وعلي بن عقيل وبيهس‏.‏

ولما حاصر قحطبة نهاوند أرسل ابنه الحسن إلى مرج القلعة فقدم الحسن خازم بن خزيمة إلى حلوان وعليها عبد الله بن العلاء الكندي فهرب من حوان وخلاها‏.‏

ثم إن قحطبة وجه أبا عون عبد الملك بن يزيد الخراساني ومالك بن طرافة الخراساني في أربعة آلاف إلى شهرزور وبها عثمان بن سفيان على مقدمة عبد الله بن مروان بن محمد فنزلوا على فرسخين من شهرزور في الغشرين من ذي الحجة وقاتلوا عثمان بعد يوم وليلة من نزولهم فانهزم أصحاب عثمان وقتل وأقام أبو عون في بلاد الموصل‏.‏

وقيل‏:‏ إن عثمان لم يقتل ولكنه هرب إلى عبد الله بن مروان وغنم أبو عون عسكره وقتل من أصحابه مقتلةً عظيمة وسير قحطبة العساكر إلى أبي عون فاجتمع معه ثلاثون ألفًا‏.‏

ولما بلغ خبر أبي عون مروان بن محمد وهو بحران سار منها ومعه جنود أهل الشام والجزيرة والموصل وحشر معه بنو أمية أبناءهم وأقبل نحو أبي عون حتى نزل الزاب الأكبر‏.‏

وأقام أبو عون بشعرزور بقية ذي الحجة والمحرم من سننة اثنتين وثلاثين ومائة وفرض بها بخمسة آلاف‏.‏

  ذكر مسير قحطبة إلى ابن هبيرة بالعراق

ولما قدم على يزيد بن عمر بن هبيرة امير العراق بانه داود منهزمًا من حلوان خرج يزيد نحو قحطبة في عدد كثير لا يحصى ومعه حوثرة بن سهيل الباهلي وكان مروان أمد به ابن هبيرة وسار ابن هبيرة حتى نزل بحلولاء الوقيعة واحتفر الخندق الذي كانت العجم احتفرته أيام وقعة

جلولاء وأقام به وارتحل ابن هبيرة راحعًا إلى الدسكرة وأقبل قحطبة حتى نزل قرماسين ثم سار إلى حلوان ثم إلى خانقين وأتى عكبراء وعبر دجلة ومضى حتى نزل دمما دون الأنبار وارتحل ابن هبيرة بمن معه منصرفًا مبادرًا إلى الكوفة لقحطبة وقدم حوثرة في خمسة عشر ألفًا إلى الكوفة‏.‏

وقيل‏:‏ إن حوثرة لم يفارق ابن هبيرة‏.‏

وأرسل قحطبة طائفة من أصحابه إلى الأنبار وغيرها وأمرهم بإحدار ما فيها من السفن إلى دمما ليعبورا الفرات فحملوا إليه كل سفينة هناك فقطع قحطبة الفرات من دمما حتى صار في غربيه ثم سا يريد الكوفة حتى أنتهى إلى الموضع الذي فيه ابن هبيرة وخرجت السنة‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وحج الناس الوليد بن عروة بن محمد بن عطية السعدي وهو ابن أخي عبد الملك بن محمد الذي قتل أبا حمزة وكان هو على الحجاز‏.‏

ولما بلغ الوليد قتل عمه عبد الملك مضى إلى الذين قتلوه فقتل منهم مقتلةً عظيمةً وبقر بطون نسائهم وقتل الصبيان وحرق من قدر عليه منهم‏.‏

وكان على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة وعلى قضاء الكوفة الحجاج ابن عاصم المحاربي

وفيها توفي منصور بن المعمر السلمي أبو عتاب الكوفي‏.‏

وفيها قتل أبو مسلم الخراساني جبلة بن أبي داود العتكي مولاهم أخا عبد العزيز بن دواد ويكنى أبا مروان‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائة

  ذكر هلاك قحطبة وهزيمة ابن هبيرة

وفي هذه السنة هلك قحطبة بن شبيب‏.‏

وكان سبب ذلك أن قحطبة لما عبر الفرات وصار في غربيه وذلك في المحرم لثمان مضين منه كان ابن هبيرة قد عسكر على فم الفرات من أرض الفلوجة العليا على رأس ثلاثة وعشرين فرسخًا من الكوفة وقد اجتمع إليه فل ابن ضبارة فأمده مروان بحوثرة الباهلي فقال حوثرة وغيره لابن هبيرة‏:‏ إن قحطبة قد مضى يريد الكوفة فاقصد أنت خراسان ودعه ومروان فإنك تكسره وبالحري أن يتبعك قال‏:‏ ما كان ليتبعني ويدع الكوفة ولكن الرأي أن أبادره إلى الكوفة فعبر دجلة من المدائن يرير الكوفة فاستعمل على مقدمته حوثرة وأمره بالمسير إلى الكوفة والفريقان يسيران على جانبي الفرات‏.‏

وقال قحطبة‏:‏ إن الإمام أخبرني أن لي في هذا المكان وقعة يكون النصر فيها لنا‏.‏

ونزل قحطبة الجبارية وقد دلوه على مخاضة فعبر منها وقال حوثرة ومحمد بن نباتة فانهزم أهل الشام وفقدوا قحطبة فقال أصحابه‏:‏ من كان عنده عهد من قحطبة فليخبرنا به‏.‏

فقال مقاتل بن مالك العتكي‏:‏ سمعت قحطبة يقول‏:‏ إن حدث بي حدث فالحسن ابني أمير الناس‏.‏

فبايع الناس حميد بن قحطة لأخيه الحسن وكان قد سيره أبوه في سرية فأرسلوا إليه فأحضروه وسلموا إليه الأمر‏.‏

ولما فقدوا قحطبة بحثوا عنه فوجدوه في جدول وحرب بن سالم بن أحوز قتيلين فظنوا أنكل واحد منهما قتل صاحبه‏.‏

وقيل‏:‏ إن معن بن زائدة ضرب قحطبة لما عبر الفرات على حبل عاتقة فسقط في الماء فأخرجوه فقال‏:‏ شدوا يدي إذ أنا مت وألقوني في الماء لئلا يعلم الناس بقتلي‏.‏

وقاتل أهل خراسان فانهزم محمد بن نباتة وأهل الشام ومات قحطبة وقال قبل موته‏:‏ إذا قدمتم الكوفة فوزير آل محمد أبو سلمة الخلال فسلموا هذا المر إليه‏.‏

وقيل‏:‏ بل غرق قحطبة‏.‏

ولما انهزم ابن نباتة وحوثرة لحقوا بابن هبيرة فانهزم ابن هبيرة بهزيمتهم ولحقوا بواسط وتركوا عسكرهم وما فيه من الأموال والسلاح وغير ذلك‏.‏

ولما قام الحسن بن قحطبة بالأمر أمر

وقيل‏:‏ إن حوثرة كان بالكوفة فبلغه هزيمة ابن هيرة فسار إليه فيمن معه‏.‏

  ذكر خروج محمد بن خالد بالكوفة مسودًا

وفي هذه السنة خرج محمد بن خالد عبد الله القسري بالكوفة وسود قبل أن يدخلها الحسن بن قحطبة وأخرج عنها عامل ابن هبيرة ثم دخلها الحسن‏.‏

وكان من خبره أن محمدًا خرج بالكوفة ليلة عاشوراء مسودًا وعلى الكوفة زياد بن صالح الحارثي وعلى شرطة عبد الرحمن بن بشير العجلي وسا محمد إلى القصر فارتحل زياد ومن معه من اهل الشام ودخل محمد القصر وسمع حوثرة الخبر فسار نحو الكوفة فتفرق عن محمد عامة من معه لما بلغهم الخبر وبقي في نفر يسير من أهل الشام ومن اليمانيين من كان هرب من مروان وكان معه مواليه وارسل أبو سلمة الخلال ولم يظهر بعد إلى محمد يأمره بالخروج من القصر تخوفًا عليه من حوثرة ومن معه ولم يبلغ أحدًا من الفريقين هلاك قحطبة فأبى محمد أن يخرج وبلغ حوثرة تفرق أصحاب محمد عنه فتهيأ للمسير نحوه‏.‏

فبينا محمد في القصر إذ أتاه بعض طلائعه فقال له‏:‏ قد جاءت خيل من أهل الشام فوجه إليهم عدة من مواليه فناداهم الشاميون‏:‏ نحن بجيلة وفينا مليح ابن خالد البجلي جئنا لندخل في

طاعة الأمير فدخلوا ثم جاءت خيل أعظم من تلك فيها جهم بن الأصفح الكناني ثم جاءت خيل أعظم منها مع رجل من آل بحدل فلما رأى تلك حوثرة من صنع أصحابه ارتحل نحو واسط‏.‏

وكتب محمد بن خالد من ليلته إلى قحطبة وهو لا يعلم بهلاكه يعلم أنه قد ظفر بالكوفة‏.‏

فقدم القاصد على الحسن بن قحطبة فلما دفع إليه كتاب محمد بن خالد قرأه على الناس ثم ارتحل نحو الكوفة يوم الجمعة ويم السبت والأحد وصبحه الحسن يوم الأثنين‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن الحسن بن قحطبة أقبل نحو الكوفة بعد هزيمة ابن هبيرة وعليها عبد الرحمن بن بشير العجلي فهرب عنها فسود محمد بن خالد وخرج في أحد عشر رجلًا وبايع الناس ودخلها الحسن من الغد فلما دخلها الجسن هو وأصحابه أتوا أبا سلمة وهو في بني سلمة فاستخرجوه فعسكر بالنخيلة يومين قثم ارتحل إلى حمام أعين ووجه الحسن بن قحطبة إلى واسط لقتال ابن هيرة وبايع الناس أبا سلمة حفص بن سليمان مولى السبيع وكان يقال له وزير آل محمد واستعمل محمد بن خالد بن عبد الله على الكوفة وكان يقال له الأمير حتى ظهرأبو العباس السفاح‏.‏

ووجه حميد بن قحطبة إلى المدائن في قواد وبعث المسيب بن زهير وخالدب بن برمك إلى دير

قنى وبعث المهلبي وشراحيل إلى عين التمر وبسام بن إبراهيم بن بسام إلى الأهواز وبها عبد الواحد بن عمر بن هبيرة‏.‏فلما أتى بسام الأهواز خرج عنها عبد الواحد إلى البصرة بعد أن قاتله وهزمه بسام وبعث إلى البصرة سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب عاملًا عليها فقدمها وكان عليها سلم بن قتيبة الباهلي عاملًا لابن هبيرة وقد لحق به عبد الواحد بن هبيرة كما تقدم ذكره‏.‏

فأرسل سفيان بن معاوية إلى سلم يأمره بالتحول من دار الإمارة ويعلمه ما أتاه من رأي أبي سلمة وامتنع وجمع معه قيسًا ومضر ومن بالبصرة من بني أمية وجمع سفيان جميع اليمانية وحلفاءهم من ربيعة وغيرهم وأتاهم قائد من قواد ابن هبيرة كل بعثه مددًا لسلم في ألفي رجل من كلب فأتى سلم سوق الإبل ووجه الخيول في سكك البصة ونادى‏:‏ من جاء برأس فله خمسمائة ومن جاء بأسير فله ألف درهم‏.‏

ومضى معاوية بن سفيان بن معاوية في ربيعة وخاصته فلقيه خيل تميم فقل معاوية وأتي برأسه إلى سلم فأعطى قاتله عشرة آلاف وانكسر سفيان بقتل ابنه فانهزم وقدم على سلم بعد ذلك أربعة آلاف من عند مروان فأرادوا نهب من بقي من الأزد فقالتلهم قتالًا شيدًا وكثرت القتلى بينهم وانهزمت الأزد ونهبت دورهم وسبيت نساؤهم وهدموا البيوت ثلاثة أيام ولم يزل سلم بالبصرة حتى أتاه قتل ابن هبيرة فشخص عنها واجتمع من بالبصرة من ولد الحارث بن عبيد المطلب إلى محمد بن جعفر فولوه أمرهم فوليهم أيامًا يسيرة حتى قدم البصرة أبو مالك عبد الله بن أسيد الخزاعي من قبل أبي مسلم‏.‏

فلما قدم أبو العابس ولا ها سفيان بن معاوية‏.‏

وكان حرب سفيان وسلم بالبصرة في صفر‏.‏

وفيها عزل مروان عن المدينة الوليد بن عروة واستعمل أخاه يوسف بن عروة في شهر ربيع الأول‏.‏

انقضت الدولة الأموية‏.‏

  ذكر ابتداء الدولة العباسية وبيعة أبي العباس

في هذه السنة بويع أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة في شهر ربيع الأول وقيل‏:‏ في ربيع الآخر لثلاث عشرة مضت منه وقيل في جمادى الأولى‏.‏

وكان بدء ذلك وأوله أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم العباس بن عبد المطلب أن

ثم إن إبا هاشم بن الحنفية خرج إلى الشام فلقي محمد بن علي بن عبد الله ابن عابس فقال له‏:‏ يا ابن عم إن عندي علمًا أنبذه إليك فلا تطلعن عليه أحدًا إن هذا الأمر الذي يرتجيه الناس فيكم قال‏:‏ قد علمت فلا يسمعنه منكم أحد‏.‏

وقد تقدم في خبر ابن الأشعث قول خالد بن يزيد بن معاوية لعبد الملك ابن مروان‏:‏ أما إذ كان الفتق من سجستان فليس عليك منه بأس إنما كنا نتخوف لو كان من خراسان‏.‏

وقال محمد بن علي بن عبد الله‏:‏ لنا ثلاثة أوقات‏:‏ موت الطاغية يزيد ابن معاوية ورأس المائة وفتق إفريقية فعند ذلك يدعو لنا دعاة ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيلهم المغرب ويستخرجوا ما كنز الجبارون‏.‏

فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ونقضت البربر بعث محمد بن علي إلى خراسان داعيًا وأمره أن يدعوه إلى ارضا ولا يسمي أحدًا وقد ذكرنا فيما تقدم خبر الدعاة وخبر أبي مسلم وقبض مروان على إبراهيم بن محمد وكان مروان لما أرسل المقبوض عليه وصف للرسول صفة أبي العابس لأنه كان يجد في الكتب‏:‏ إن من هذه صفته يقتلهم وسلبهم ملكهم‏!‏ وقالله ليأتيه بإبراهيم بن محمد‏.‏

فقدم الرسول فأخذ أبا العباس بالصفة فلما ظهر إبراهيم وأمن قيل للرسول‏:‏ إنما أمرت بإبراهيم

وهذا عبد الله‏.‏

فترك أبا العباس وأخذ إبراهيم فانطلق به إلى مروان فلما رآه قال‏:‏ ليس هذه الصفة التي وصفت لك‏.‏

فقالوا‏:‏ قد رأينا الصفة التي وصفت وإنما سميت إبراهيم فهذا إبراهيم‏.‏فأمر به فحبس وأعاد الرسل في طلب أبي العابس فلم يروه‏.‏

وكان سبب مسيره من الحميمة أن إبراهيم لما أخذه الرسول نعى نفسه إلى أهل بيته وأمرهم بالمسير إلى الكوفة مع أخيه أبي العباس عبد الله بن محمد وبالسمع له وبالطاعة وأوصى إلى أبي العابس وجعله الخليفة بعده فسار ابو العابس ومن معه من أهل بيته منهم‏:‏ أخوه أبو جعفر المنصور وعبد الوهاب ومحمد ابنا أخيه إبراهيم وأعمامه داود وعيسى وصالح وإسماعيل وعبد الله وعبد الصمد بنو علي بن عبد الله بن عباس وابن عمه داود وابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي ويحيى بن جعفر بن تمام ابن عباس حتى قدموا الكوفة في صفر موسى بن محمد بن علي ويحيى بن جعفر بن تمام ابن عباس حتى قدموا الكوفة في صفر وشيعتهم من أهل خراسان بظاهر الكوفة بحمام أعين فأنزلهم أبو سلمة الخلال دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم في بني داود وكتم أمرهم نحوًا من أربعين ليلة من جميع القواد والشيعة‏.‏

وأراد فيما ذكر أن يحول الأمر إلى آل أبي طالب لما بلغه الخبر عن موت إبراهيم الإمام فقال له أبو الجهم‏:‏ ما فعل الإمام قال‏:‏ لم يقدم بعد فألح عليه‏.‏

فقال‏:‏ ليس هذا وقت خروجه لأن وكان أبو سلمة إذ سئل عن الإمام يقول‏:‏ لا تعجلوا‏.‏

فلم يزل ذلك من امره حتى دخل أو حميد محمد بن إبراهيم الحميري من حمام أعين يريد الكناسة فلقي خادمًا لإبراهيم الإمام ياقل له سابق الخوارزمي فعرفه فقال له‏:‏ ما فعل إبراهيم الإمام فأخبره أن مروان قتله وأن إبرايم أوصى إلى أخيه أيب العباس واستخلفه من بعده وأنه قدم الكوفة ومعه عامة أهل بيته فسأله أبو حميد أن ينطلق به إليهم فقال له سابق‏:‏ الموعد بيني وبينك غدًا في هذا الموضع وكره سابق أن يدله عليهم إلا بإذنهم‏.‏

فرجع أبو حميد إلى أبي الجهم فأخبره وهو في عسكر أبي سلمة فأمره أن يلطف للقائهم فرجع أبو حميد من الغد إلى الموضع الذي واعد فيه سابقًا فلقيه فانطلق به إلى أبي العابس وأهل بيته فملا دخل عليهم سأل أبو حميد من الخليفة منهم‏.‏

فقال داود بن علي‏:‏ هذا إمامكم وخليفتكم‏.‏

وأشار إلى أبي العباس فسلم عليه بالخلافة وقبل يديه ورجليه وقال‏:‏ مرنا بأمرك وعزاة بإبراهيم الإمام‏.‏

ثم رجع وصحبه إبارهيم بن سلمة رجل كان يخدم بني العباس إلى أبي الجهم فأخبره عن منزلهم وأن الإمام أرسل إلى أبي سلمة يسأله مائة دينار يعطيها الجمال كراء الجمال التي حملتهم فلم يبعث بها إليهم فمشى أبو الجهم وأبو حميد وإبراهيم بن سلمة إلى موسى بن كعبوقصوا عليه القصة وبعثوا إلى الإمام فمضى موسى ابن كعب وأبو الجهم وعبد الحميد ابن ربعي وسلمة بن محمد وإبارهيم بن سلمة وعبد الله الطائي وإسحاق ابن إبارهيم وشرا حيل وعبد الله بن بسام وأبو حميد محمد بن إبراهيم وسليمان بن الأسود ومحمد بن الحصين إلى الإمام أبي العباس‏.‏

وبلغ ذلك أبا سلمة فسأل عنهم فقيل‏:‏ غنهم دخلوا الكوفة في حاجة لهم وأتى القوم أبا العابس فقال‏:‏ وأيكم عبد الله بن محمد بن الحارثية فقالوا‏:‏ هذا فسلموا عليه بالخلافة وعزوه في إبراهيم ورجع موسى بن كعب وأبو الجهم وأمر أبو الجهم الباقين فتخلفوا عند الإمام فأرسل أبو سلمة إلى أبي الجهم‏:‏ أين كنت قال‏:‏ ركبت إلى إمامي فركب أو سلمة إلى الإمام فأرسل أبو الجهم إلى أبي حميد‏:‏ إن أبا سلمة قد أتاكم فلا يدخلن على الإمام إلا وحده‏.‏

فلما انتهى إليهم أبو سلمة منعوه أن يدخل معه أحد فدخل وحده فسلم بالخلافة على أبي العباس فقال له أبو حميد‏:‏ على رغم أنفك يا ماص بظر أمه‏!‏ فقال له أبو العباس‏:‏ مه‏!‏ وأمر أبا سلمة بالعود إلى معسكره فعاد‏.‏

وأصبح الناس يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول فلبسوا السلاح واصطفوا لخروج أبي العباس وأتوا بالدواب فكرب برذونًا أبلق وركب من معه من أهل بيته فدخلوا دار الإمارة ثم خرج إلى المسجد فخطب وصلى بالناس ثم صعد المنبر حين بويع له بالخلافة فقام في أعلاه وصعد عمه داود بن علي فقام دونه فتكلم أبو العباس فقال‏:‏ الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه وكرمه وشرفه وعظمه واختاره لنا فأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوامبه والذابين عنه والناصرين له فألزمنا كلمة التقوى وجعلنا أحق بها وأهلها وخصنا برحم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقرابته وأنشأنا من آبائنا وأنبتنا من شجرته واستقنا من نبعته جعله من أنفسنا عزيزًا عليه ما عنتنا حريصًا علنا بالمؤمنين رؤوفا رحيمًا ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتابًا يتلى عليهم تبارك وتعالى فيما أنزل من محكم كتابه‏:‏ ‏{‏إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 23‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏وأنذر عشيرتك الأقربين‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 214‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 7‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 41‏]‏‏.‏ فأعلمه جل ثناؤه فضلنا وأوجب عليهم حقنا ومودتنا وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمةً لنا وفضلًا علينا والله ذو الفضل العظيم‏.‏وزعمت السبئية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا فشاهت وجوههم‏!‏

ولم أيها الناس وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتها وبصرهم بعد جهالتهم وأنفذهم بعد هلكتهم وأظهر بنا الحق ودحض الباطل وأصلح بنا منهم ما كان فاسدًا ورفع بنا الخسيسة وتمم بنا النقيصة وجمع الفرقة حتى عاد الناس بعد العداوة أهل التعاطف والبر والمواساة في دنياهم وإخوانًا على سرر متقالبلين في آخرتهم فتح الله ذلك منةً ومنحةً لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏.‏

فلما قبضه الله إليه قام بالأمر من بعده أصحابه وأمرهم شورى بينهم فحووا مواريث الأمم فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها وأعطوها أهلها وخرجوا خماصًا منها‏.‏

ثم وثب بنو حرب وبنو مروان فانبذوها وتداولوها فجاروا فيها واستأثروا بها وظلموا أهلها بما ملأ الله لهم حينًا حتى آسفوه فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا ورد علينا حقنا وتدارك بنا أمتنا وولي نصرنا والقايم بأمرنا ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض وختم بنا كما افتتح بنا‏.‏

وإني لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله‏.‏

يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور عليكم حتى أدركتم زماننا وأتاكم الله بدولتنا فأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم فاستعدوا فأنا السفاح المبيح والثائر المنيح‏.‏

وكان موعوكًا فاشتد عليه الوعك‏.‏

فجلس على المنبر وقام عمه داود على مراقي المنبر فقال‏:‏ الحمد الله شكرًا للذي أهلك عدونا وأصار إلينا ميراثنا من نبينا محم صلى الله عليه وسلم‏.‏

أيها الناس الآن أقشعت حنادس الدينا وانكشف غطاؤها وأشرقت أرضها وسماؤها وطلعت الشمس من طلعها وبزغ القمر من مبزغه وأخذ القوس باريها وعاد السهم إلى منزعه ورجع الحق إلى نصابه في أهل بيت نبيكم أهل الرأفة والرحمة بكم والعطف عليكم‏.‏

أيها الناس‏!‏ إنا والله ما خرجنا في طلب هذا الأمر لنكثر لجينًا ولا عقيانًا ولا نحفر نهرًا ولا نبني قصرًا وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزاهم حقنا والغضب لبني عمنا وما كرهنا من أموركم فلقد كانت أموركم ترمضنا ونحن على فرشنا ويشتد علنا سوء سيرة بني أمية فيكم واستنزالهم لكم واستئثارهم بفيئكم وصداقتكم ومغانمكم عليكم لكم ذمة الله تبارك وتعالى وذمة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذمة العابس رحمه الله علينا أن نحكم فيكم بما أنزل الله ونعمل فيكم بكتاب الله ونسير في العامة والخاصة بسيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تبًا لبني حرب بن أمية وبني مروان‏!‏ آثروا في مدتهم العاجلة على الآجلة والدار الفانية على الدار الباقية فركبوا الآثام وظلموا الأنام وانتهكوا المحارم وغشوا بالجرائم وجاروا باستدراج الله وأمنًا لمكر الله فأتاهم بأس الله بياتًا وهم نائمون فأصبحوا أحاديث ومزقوا كل ممزق فبعدًا لقوم الظالمين وأدلنا الله من مروان وقد غرة بالله الغرور أرسل لعدو الله في عنانه حتى عثر في فضل خاصمه أظن عدو الله أن لن نقدر عليه فنادى حزبه وجمع مكايده ورمى بكتائبه فوجد أمامه ووراء وعن يمينه وشماله من مكر الله وبأسه ونقمته ما امات باطله وحا ضلاله وجعل دائرة السوء به وأحيا شر فنا وعزنا ورد إلينا حقنا وإرثنا‏.‏

أيها الناس‏!‏ إن أمير المؤمنين نصره الله نصرًا عزيزًا إنما عاد إلى المنبر بعد الصلاة لنه كاره أن يخلط بكلام الجمعة غيره وإنما قطعه عن استتمام الكلام شدة الوعك فاعوا الله لأمير المؤمنين بالعافية فقد بدلكم الله بمروان عدو الرحمن وخليفة الشيطان المتبع السفلة الذين أفسدوا في الأرض بعد إصلاحها بإبدال الدين وانتهاك حريم المسلمين الشاب المتكهل المتمهل المقتدي بسلفه الأبرار الأخيار الذين أصلحوا الأرض بعد فسادها بمعالم الهدى ومناهج التقوى‏.‏

فعج الناس له بالدعاء ثم قال‏.‏

يا أهل الكوفة‏!‏ إنا والله ما زلنا مظلومين مقهورين على حقنا حتى أباح الله شيعنا أهل خراسان فأحيا بهم حقنا وأبلج بهم حجتنا وأظهر بهم دولتنا وأراكم الله بهم ما لستم تنتظرون فأظهر فيكم الخليفة من هاشم وبيض به وجوهكم وأدالكم على أهل الشام ونقل إليكم الله بشكر والزموا طاعتنا ولا تخدعوا عن أنفسكم فإن الأمر أمركم وإن لكل أهل بين واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم عليه السلام والحمد لله على ما أبلانا وأولانا‏.‏

ثم نزل أبو العباس وداود بن علي أمامه حتى دخل القصر وأجلس أخاه أبا جعفر المنصور يأخذ البيعة على الناس في المسجد فلم يزل يأخذها عليهم حتى صلى بهم العصر ثم المغرب وجنهم الليل فدخل‏.‏

وقيل‏:‏ إن داود بن علي لما تكلم قال في آخر كلامه‏:‏ أيها الناس إن والله ما كان بينكم وبين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خليفة إلا علي ابن أبي طالب وأمير المؤمنين الذي خلفي‏.‏

ثم نزل‏.‏

وخرج أبو العباس يعسكر بحمام أعين في عسكر أبي سلمة ونزل معه في حجرته بينهما ستر وحاجب السفاح يومئذ عبد الله بن بسام‏.‏

واستخلف على الكوفة وأرضها عمه داود بن علي وبعث عمه عبد الله بن علي إلى أبي عون بن يزيد بشهرزور وبعث ابن أخيه عيسى بن موسى إلى الحسن بن قحطبة وهو يومئذ يحاصر ابن هبيرة بواسط وبعث يحيى ابن جعفر بن تمام بن عباس إلى حميد بن قحطبة بالمدائن وبعث أبا اليقظان عثمان بن عروة بن محمد بن عمار بن ياسر إلى بسام بن إبراهيم بن بسام بالأهواز وبعث سلمة بن عمرو بن عثمان إلى مالك بن الطواف‏.‏

وأقام السفاح بالعسكر أشهرًا ثم ارتحل فنزل المدينة الهاشمية بقصر الإمارة وكان تنكر لأبي سلمة قبل تحوله حتى عرف ذلك‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن داود بن علي وابنه موسى لم يكونا بالشام عند مسير بنب العباس إلى العراق إنما كانا بالعاق أو بغيره فخرجا يريدان الشام فلقيهما أبو العابس قصتهم وأنهم يريدون الكوفة ليظهروا بها ويظهروا أمرهم‏.‏

فقال له داود‏:‏ يا أبا العباس تأتي الكوفة وشخ بني أمية مروان بن محمد بحران مطل على العراق في أهل الشام والجزيرة وشيخ العرب يزيد بن هيرة بالعراق في جند العرب‏!‏ وقال‏:‏ يا عمي من أحب الحياةذل ثم تمثل بقول الأعشى‏:‏ فما ميتة إن متها غير عاجزٍ بعارٍ إذا ما غالت النفس غولها فالتفت داود إلى ابنة موسى فقال‏:‏ صدق والله ابن عمك فارجع بنا معه نعش أعزاء أو نمت كرماء‏.‏فرجعوا جميعًا‏.‏فكان عيسى بن موسى يقول إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة‏:‏ إن نفرًا أربعة عشر رجلًا خرجوا من دارهم وأهلهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة همتهم كبيرة أنفسهم شديدة قلوبهم‏.‏

  ذكر هزيمة مروان بالزاب

قد ذكرنا أن قحطبة أرسل أبا عون عبد الملك بن يزيد الأزدي إلى شهرزور وأنه قتل عثمان بن سفيان وأقام بناحية الموصل وأن مروان ابن محمد سار إليه من حران حتى بلغ الزاب وحفر خندقًا وكان في عشرين ومائة ألف وسار أبو عون إلى الزاب فوجه أبو سلمة إلى أبي عون عيينة بن موسى والمنهال بن فتان وإسحاق بن طلحة كل واحد في ثلاثة آلاف‏.‏

فلما ظهر أبو العباس بعث سلمة بن محمد في ألفين وعبد الله الطائي في ألف وخمسائة وعبد الحيمد بن ربعي الطائي في ألفين ووداس بن نضلة في خمسائة إلى أبي عون ثم قال‏:‏ من يسير إلى مروان من أهل بيتي فقال‏:‏ عبد الله بن علي‏:‏ أنا‏.‏

فسيره إلى أبي عون فقدم عليه فتحول أبو عون عن سرادقة وخلاه له وما فيه‏.‏

فلما كان لليلتين خلتا من جمادى الآخرة سنممة اثنتين ومائة سأل عبد الله بن علي عن مخاضة فدل عليها بالزاب فامر عيينه بن موسى فعبر في خمسة آلاف فانتهى إلى عسكر مروان فقاتلهم حتى أمسوا ورجع إلى عبد الله بن علي‏.‏

وأصبح مروان فعقد الجسر وعبر عليه فنهاه وزراؤه عن ذلك فلم يقبل وسير ابنه عبد الله فنزل أسفل من عسكر علد الله بن علي فبعث عبد الله ابن علي المخارق في أربعة آلاف نحو عبد الله بن مروان فسرح إليه ابن موران الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم فالتقيا فانهزم أصحاب المخارق وثبت هو فأسر هو وجماعة وسيرهم إلى مروان مع رؤوس القتلى فقال مروان‏:‏ أدخلوا علي رجلًا من الأسرى‏.‏

فاتوه بالمخارق وكان نحيفًا‏.‏

فقال‏:‏ أنت المخارق قال‏:‏ لا أنا عبد من عبيد أهل العسكر‏.‏

قال‏:‏ فتعرف المخارق قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فنظر هل تراه في هذه الرؤوس‏.‏

فنظر إلى رأس منها فقال‏:‏ هو هذا‏.‏

فخلى سبيله فقال رجل مع مروان حين نظر المخارق وهو لا يعرفه‏:‏ لعن الله أبا مسلم حين جاءنا بهؤلاء يقاتلنا بهم‏.‏

وقيل‏:‏ إن المخارق لما نظر إلى الرؤوس قال‏:‏ ما أرى رأسه فيها ولا أراه إلا قد ذهب‏.‏

فخلى سبيله‏.‏

ولما بلغت الهزيمة عبد الله بن علي أرسل إلى طريق المنهزمين من يمنعهم من دخول العسكر لئلا ينكر قومهم وأشار عليه أبو عون أن يبادر مروان بالقتال قبل أن يظهر أمر المخارق فيفت ذلك في أعضاد الناس فنادى فيهم بلبس السلاح والخروج إلى الحرب فركبوا واستخلف على عسكره محمد ابن صول وسار نحو مروان وجعل على ميمنته أبا عون وعلى ميسرته الوليد ابن معاوية وكان عسكره عشرين ألفًا وقيل‏:‏ اثني عشر ألفًا وقيل غير ذلك‏.‏

فلما التقى العسكران قال مروان لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز‏:‏ عن زالت اليوم الشمس ولم يقاتلونا كنا الذين ندفعها إلى المسيح عليه السلام وإن قاتلونا فأقبل الزوال فإنا لله وإنا إليه

وأرسل مروان إلى عبد الله يسأله الموادعة فقال عبد الله‏:‏ كذب ابن زريق لا تزول الشمس حتى أوطئه الخيل إن شاء الله‏.‏

فقال مروان لأهل الشام‏:‏ قفوا لا نبدأهم بالقتال وجعل ينظر إلى الشمس فحمل الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم وهو ختن مروان بن محمد على ابنته فغضب وشتمه وقاتل ابن معاوية أبا عون فانحاز أبو عون إلى عبد الله بن علي فقال لموسى ابن كعب‏:‏ يا عبد الله مر الناس فلينزلوا‏.‏

فنودي‏:‏ الأرض فنزل الناس وأشرعوا الرماح وجثوا على الركب فقاتلوهم وجعل أهل الشام يتأخرون كأنهم يدفعون ومشى عبد الله بن علي قدمًا وهو يقول‏:‏ يار رب حتى متى نقتل فيك ونادى‏:‏ يا أهل خراسان‏!‏ يال لثارات إبراهيم‏!‏ يا محمد‏!‏ يا منصور‏!‏ واشتد بينهم القتال‏.‏

فقال مروان لقضاعة‏:‏ انزلوا‏.‏

فقالوا‏:‏ قل لبني سليم فلينزلوا‏.‏

فأرسل إلى السكاسك أن احملوا‏.‏

فقالوا‏:‏ قل لبني عامر فليحملوا‏.‏فأرسل إلى السكون أن احملوا فالوا‏:‏ قل لغطفان فليحملوا‏.‏

فقال لصاحب شرطته‏:‏ انزل‏.‏

فقال‏:‏ والله ما كنت لأحعل نفسي غرضًا‏.‏

قال‏:‏ أما والله لأسؤنك‏!‏ فقال‏:‏ وددت والله أنك قدرت على ذلك‏.‏

وكان مروان ذلك اليوم لا يدبر شيئًا إلا كان فيه الخلل فأمر بالأموال فأخرجت وقال للناس‏:‏ اصبروا وقاتلوا فهذه الأموال لكم‏.‏

فجعل ناس من الناس يصيبون من ذلك فقيل له‏:‏ إن الناس قد مالوا على هذا المال ولا نأمنهم أن يذهبوا به‏.‏

فأرسل إلى ابنه عبد الله‏:‏ أن سر في أصحابك فكان ممن غرق يومئذ‏:‏ إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن المخلوع فاستخرجوه في الغرقى فقرأ عبد الله‏:‏ ‏{‏وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون‏}‏ ‏[‏ البقرة‏:‏ 50‏]‏‏.‏ وقيل بل قتله عبد الله بن علي بالشام‏.‏

وقتل في هذه الوقعة يعيد بن هشام بن عبد الملك‏.‏

وقيل‏:‏ بل قتله عبد الله بالشام‏.‏

وأقام عبد الله بن علي غي عسكره سبعة أيام فقال رجل من ولد سعيد اب العاص يعير مروان‏:‏ لج الفرار بمروان فقلت له‏:‏ عاد الظلوم ظليمًا همه الهرب أين الفرار وترك الملك إذ ذهبت عنك الهوينا فلا دين ولا حسب فراشة الحلم فرعون العقاب وإن تطلب نداه فكلب دونه كلب وكتب يومئذ عبد الله بن علي إلى السفاح بالفتح وحوى عسكر مروان بما فيه فوجد سلاحًا كثيرًا وأموالًا ولم يجد فيه امرأة إلا جارية كانت لعبد الله بن مروان‏.‏

فلما أتى الكتاب السفاح صلى ركعتين وأمر لمن شهد الوقعة بخمسمائة خمسمائة دينار ورفع أرزاقهم إلى ثمانين‏.‏

وكانت هزيمة مروان بالزاب يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة وكان فيمن قتل معه يحيى بن معاوية بن هشام بن عبد الملك وهو أخو عبد الرحمن صاحب الأندلس فلما تقدم إلى القتال رأى عبد الله ابن علي فتى عليه أبهة الشرف ياقتل مستقتلًا فناداه‏:‏ يا فتى لك المان ولو كنت مروان بن محمد‏!‏ فقال‏:‏ إن لم أكنه فلست بدونه‏.‏

قال‏:‏ فلك الأمان ولو كنت من كنت‏.‏

فأطرق ثم قال‏:‏ أذل الحياة وكره الممات وكلا أراه طعامًا وبيلا فإن لم يكن غير إحداهما فسير إلى الموت سيرًا جميلا ثم قاتل حتى قتل فإذا هو مسلمة بن عبد الملك‏.‏

  ذكر قتل إبراهيم بن محمد بن علي الإمام قد ذكرنا سبب حبسه‏‏

واختلف الناس في موته فقيل‏:‏ إن مروان حبسه بحران وحبس سعيد بن هشام بن عبد الملك وابنيه عثمان ومروان وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز والعباس بن الوليد بن عبد الملكل وأبا محمد السفياني هلك منهم في وباء وقع بحران العابس بن الوليد وإبارهيم بن محمد ابن علي الإمام وعبد الله بن عمر‏.‏

فلما كان قبل هزيمة مروان من الزاب بجمعة خرج سعيد بن هشام وابن عمه ومن معه من

المحبوسين فقتلوا صاحب السجن وخرجوا فقتلهم أهل حران ومن فيها من الغوغاء وكان فيمن قتله أهل حران شراحيل بن مسلمة ابن عبد الملك وعبد الملك بن بشر التغلبي وبطريق أرمينية الرابعة واسمه كوشان وتخلف أبو محمد السفياني في الحبس فلم يخرج فيمن خرج ومعه غيره لم يستحلوا الخروج من الحبس فقدم مروان منهزمًا من الزاب فجاء فخلى عنهم‏.‏

وقيل‏:‏ إن مروان هدم على إبراهيم بيتًا فقتله‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن شراحيل بن مسلمة بن عبد الملك كان محبوسًا مع إبارهيم فكانا يتزاوران فصار بينهما مودة فأتى رسول من شراحيل إلى إبراهيم يومًا بلبن فقال‏:‏ يقول لك أخوك إني شربت من هذا اللبن فاستطبته فأحببت أن تشرب منه فشرب منه فتكسر جسده من ساعته وكان يومًا يزور في شراحيل فأبطأ عليه فأرسل إليه شراحيل‏:‏ إنك قد أبطأت فما حبسك فأعاد إبراهيم‏:‏ إني لما شربت اللبن الذي أرسلت به قد أسهلني‏.‏

فاتاه شراحيل فقال‏:‏ والله الذي لا إله إلا هو ما شربت اليوم لبنًا ولا أرسلت به إليك‏!‏ فإنا لله وإنا إليه راجعون‏!‏ احتيل والله عليك‏.‏

فبات أبراهيم ليلته وأصبح ميتًا فقال إبراهيم ابن هرثمة يرثيه يرثيه‏:‏ قد كنت أحسبني جلدًا فضعضعني قبر بحران فيه عصمة الدين فيه الإمام وخير الناس كلهم بين الصفائح والأحجار والطين فلا عفا الله عن مروان مظلمةً لكن عفا الله عمن قال آمين وكان إبراهيم خيرأ فاضلًا كريمًا قدم المدينة مرةً ففرق في أهلها مالًا جليلًا وبعث إلى عبد الله بن الحسن بن الحسن بخمسمائة دينار وبعث إلى جعفر بن محمد بألف دينار فبعث إلى جماعة العلويين بمال كثير فأتاه الحسين بن زيد بن علي وهو صغير فأجلسه في حجرة قال‏:‏ من أنت قال‏:‏ أنا الحسين بن زيد بن علي‏.‏

فبكى حتى بل رداءه وأمر وكيله بإحضار ما بقي من المال فأحضر أربعمائة دينار فسلمها إليه وقال‏:‏ لو كان عندنا شيء آخر لسلمته إليك وسير معه بعض مواليه إلى أمه رابطة بنت عبد الملك بن محمد بن الحنفية يعتذر إليها‏.‏

وكان مولده سنة اثنتين وثمانين وأمه أم ولد بربرية اسمها سلمى‏.‏وكان ينبغي أن يقدم ذكر قتله على هزيمة مروان وإنما قدمنا ذلك لتتبع الحادثة بعضها بعضًا‏.‏

  ذكر قتل مروان بن محمد بن الحكم

وفي هذه السنة قتل مروان بن محمد وكان قتله ببوصير من أعمال مصر لثلاث بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة‏.‏

وكان مروان لما هزمه عبد الله بن علي بالزاب أتى مدينة الموصل وعليها هشام بن عمرو التغلبي وبشر بن خزيمة الأسدي فقطعا الجسر‏!‏ فناداهم أهل الشام‏:‏ هذا أمير المؤمنين مروان‏!‏ فقالوا‏:‏ كذبتم أمير المؤمنين لا يفر‏!‏ وسبه أهل الموصل وقالوا‏:‏ ياجعدي‏!‏ يا معطل الحمد لله الذي أزال سلطانكم وذهب بدولتكم‏!‏ الحمد لله الذي أتانا بأهل بيت نبينا‏!‏ فلما سمع ذلك سار إلى بلد فعبر دجلة وأتى حران وبها ابن أخيه أبان بن يزيد بن محمد بن مروان عامله عليها فأقام بها نيفًا وعشرين يومًا‏.‏

وسار عبد الله بن علي حتى أتى الموصل فدخلها وعزل عنها هشامًا واستعمل عليها محمد بن صول ثم سار في أثر مروان بن محمد فلما دنا منه عبد الله حمل مروان أهله وعياله ومضى منهزمًا وخلف بمدينة حران ابن أخيه أبان بن يويد وتحته أم عثمان ابنة مروان‏.‏

وقدم عبد الله بن علي حران فلقيه أبان مسودًا مبايعًا له فبايعه ودخل في طاعته فآمنه ومن كان بحران والجزيرة‏.‏

ومضى مروان إلى حمص فلقيه أهلها بالسمع والطاعة فأقام بها يومين أو ثلاثة ثم سار منها‏.‏

فلما رأوا قلة ممن معه طمعوا فيه وقالوا‏:‏ مرعوب منهزم فاتبعوه بعدما رحل عنهم فلحقوه على أميال‏.‏

فلما رأى غبرة الخيل كمن لهم فلما جاوزوا الكمين صافهم مروان فيمن معه وناشدهم فأبوا إلا قتاله فقاتلهم وأتاهم الكمين من خلفهم فانهزم أهل حمص وقتلوا حتى انتهوا إلى قريب وأتى مروان دمشق وعليها الوليد بن معاوية بن مروان فخلفه بها وقال‏:‏ قاتلهم حتى يجتمع أهل الشام ومضى مروان حتى أتى فلسطيم فنزل نهر أبي فطرس وقد غلب على فلسطين الحكم بن ضبعان الجذامي فأرسل مروان إلى عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي فأجاره وكان بيت المال في يد الحكم‏.‏

وكان السفاح قد كتب إلى عبد الله بن علي يأمره باتباع مروان فسار حتى أتى الموصل فتلقاه من بها مسودين وفتحوا له المدينة ثم سار إلى حران فتلقاه أبان بن يزيد مسودًا كما تقدم فآمنه وهدم عبد الله الدار التي حبس فيها إبراهيم‏.‏

ثم سار من حران إلى منبج وقد سودوا فأقام بها أيامًا ثم سار إلى بعلبك فأقام يومين ثم سار فنزل مزة دمشق وهي قرية من قرى الغوطة وقدم عليه أخوه صالح بن علي مددًا فنزل مرج عذراء في ثمانية آلاف ثم تقدم بعبد الله فنزل على الباب الشرقي ونزل صالح على باب الجابية ونزل أبو عون على باب كيسان ونزل بسام بن إبراهيم على باب الصغير ونزل حميد بن قحطبة على باب توما وعبد الصمد ويحيى بن صفوان والعباس بن يزيد على باب الفراديس وفي دمشق الوليد بن معاوية فحصروه ودخلوها عنوة يوم الأربعاء لخمس مضين من رمضان سنة اثنتين وثلاثين ومائة‏.‏

وكان أول من صعد سور المدينة من باب شرقي عبد الله الطائي ومن ناحية باب الصغير وأقام عبد الله بن علي في دمشق خمسة عشر يومًا ثم سار يريد فلسطين فلقيه أهل الأردن وقد سودوا وأتى أبي فطرس وقد ذهب مروان فأقام عبد الله بفلسطين ونزل بالمدينة يحيى بن جعفر الهاشمي فأتاه كتاب السفاح يأمره بإرسال صالح بن علي في طلب مروان‏.‏

فسار صالح من نهر أي فطرس في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين ومائة ومعه ابن فتان وعامر بن إسماعيل فقدم صالح أبا عون وعامر بن إسماعيل الحارثي فساروا حتى بلغوا العريش‏.‏

فأحرق مروان ما كان حوله من علف وطعام‏.‏

وسار صالح فنزل النيل ثم سار حتى أتى الصعيد وبلغه أن خيلًا لمروان يحرقون الأعلاف فوجه إليهم فأخذوا وقدم بهم على صالح وهو بالفسطاط وسار فنزل موضعًا يقال له ذات السلاسل وقدم أبو عون عامر ابن إسماعيل الحارثي وشعبة بن كثير المازني في خيل أهل الموصل فلقوا خيلًا لمروان فهزمهم وأسروا منهم رجالًا فقتلوابعضًا واستحيوا بعضًا فسألوهم عن مروان فأخبروهم بمكانه على أن يؤمنوهم وساروا فوجدوه نازلًا في كنيسة في بوصير فوافوه ليلًا وكان أصحاب أبي عون قليلين فقال لهم عامر بن إسماعيل‏:‏ إن أصبحنا وأوا قلتنا أهلكونا ولم ينج منا أحد‏.‏

وكسر جفن سيفه وفعل أصحابه مثله وحملوا على أصحاب مروان فانهزموا وحمل رجل من أهل الكحوفة كان يبيع الرمان فاحتز رأسه فأخذه عامر فبعث به فلما وصل إليه أمر أن يقص لسانه فانقطع لسانه فأخذه هر فقال صالح‏:‏ ماذا ترينا الأيام من العجائب والعبر‏!‏ هذا لسان مروان قد أخذه هر وقال شاعر‏:‏ قد فتح الله مصرًا عنوةً لكم وأهلك الفاجر الجعدي إذ ظلما فلاك مقوله هر يجرره وكان ربك من ذي الكفر منتقما وسيره صالح إلى أبي العباس السفاح‏.‏

وكان قتله لليلتين بقيتا من ذي الحجة ورجع صالح إلى الشام وخلف أبا عون بمصر وسلم إليه السلاح والأموال والرقيق‏.‏

ولما وصل الرأس إلى السفاح كان بالكوفة فلما رآه سجد ثم رفع رأسه فقال‏:‏ الحمد الله الذي أظهرني عليك وأظفرني بك ولم يبق ثأري قبلك وقبل رهطك أعداء الدين‏!‏ وتمثل‏:‏ لو يشربون دمي لم يرو شاربهم ولا دماؤهم للغيظ ترويني ولما قتل مروان هرب ابناه عبد الله وعبيد الله إلى أرض الحبشة فلقوا من الحبشة بلاء قاتلهم الحبشة فقتل عبيد الله ونجا عبد الله وعدة ممن معه فبقي إلى خلافة المهدي فاخذه نصر بن محمد بن الشعث عامل فلسطين فبعث به إلى المهدي‏.‏

ولما قتل مروان قصد عامر الكنيسة التي فيها حرم مروان وكان قد وكل بهن خادمًا وأمره أن يقتلهن بعده فأخذه عامر وأخذ نساء مروان وبناته فسيرهن إلى صالح بن علي بن عبد الله بن عباس‏.‏

فلما دخلن عليه تكلمت ابنة مروان الكبرى فقالت‏:‏ يا عم أمير المؤمنين‏!‏ حفظ الله لك من أمرك ما تحب حفظه نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمكفليسعنا من عفوكم ما وسعكم من جورنا‏.‏

قال‏:‏ والله لا استبقي منكم واحدًا‏!‏ ألم يقتل أبوك ابن أخي إبراهيم الإمام ألم يقتل هشام بن عبد الملك زيد بن علي بن الحسين وصلبه في الكوفة ألم يقتل الوليد بن يزيد يحيى بن زيد وصلبه بخراسان أل يقتل ابن زياد الدعي مسلم بن عقيل ألم يقتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي وأهل بيته ألم يخرج إليه بحرم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبايا فوقفهن موقف السبي ألم يحمل رأس الحسين وقد قرع دماغه فما الذي يحملني على الإبقاء عليكن‏!‏ قالت‏:‏ فليسعنا عفوكم‏!‏ فقال‏:‏ أما هذا فنعم وإن أحببت زوجتك ابني الفضل‏!‏ فقالت‏:‏ وأي عز خير من هذا‏!‏ بل تلحقنا بحران‏.‏

فحملهن إليها فلما دخلنها ورأين منازل مروان رفعن أصواتهن بالبكاء‏.‏

قيل‏:‏ كان يومًا بكير بن ما هان مع أصحابه قبل أني قتل مروان يتحدث إذ مر به عامر بن إسماعيل وهو لا يعرفه فأتى دجلة واستقى من مائها ثم رجع فدعاه بكير فقال‏:‏ ما اسمك يا فتى قال‏:‏ عامر بن إسماعيل بن الحارث‏.‏

قال‏:‏ فكن من بني مسلية‏.‏

قال‏:‏ فأنا منهم‏.‏

قال‏:‏ أنت والله تقتل مروان‏!‏ فكان هذا القول هو الذي قوى طوع عامر في قتل مروان‏.‏

ولما قتل مروان كان عمره اثنتين وستين سنة وقيل‏:‏ تسعًا وستين سنة وكانت ولايته من حين بويع إلى أن قتل خمس سنين وعشرة أشهر وستة عشر يومًا وكان يكنى أبا عبد الملك وكانت أمه أم ولد كردية كانت لإبراهيم بن الأشتر أخذها محمد بن مروان يوم قتل إبراهيم فولدت مروان فلهذا قال عبد الله بن عياش المشرف للسفاح‏:‏ الحمد لله الذي أبدلنا بحمار الجزيرة وابن أمة النخع ابن عم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابن عبد المطلب‏.‏

وكان مروان يلقب بالحمار والجعدي لأنه تعلم من الجعد بن درهم مذهبه في القول بخلق القرآن والقدر وغير ذلك وقيل‏:‏ إن الجعد كان زنديقًا وعظمه ميمون بن مهران فقال‏:‏ لشاه قباذ أحب إلي مما تدين به‏.‏

فقال له‏:‏ قتلك الله وهو قاتلك وشهد عليه ميمون وطلبه هشام فظفر به وسيره إلى خالد القسري فقتله فكان الناس يذمون مروان بنسبته إليه‏.‏

وكان مروان أبيض أشهل شديد الشهلة ضخم الهامة كث اللحية أبيضها ربعة وكان شجاعًا حازمًا إلا أن مدته انقضت فلم ينفعه حزمه ولا شجاعته‏.‏

عياش بالياء تحتها نقطتان والشين المعجمة‏.‏

دخل سديف على السفاح وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك وقد أكرمه فقال سديف‏:‏ لا يغرنك ما ترى من الرجال إن تحت الضلوع داء دويًا فضع السيف وارفع السوط حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا فقال سليمان‏:‏ قتلتني يا شيخ‏!‏ ودخل السفاح وأخذ سليمان فقتل‏.‏

ودخل شبل بن عبد الله مولى بني هاشم على عبد الله بن علي وعنده من بني أمية نحو تسعين رجلًا على الطعام فأقبل عليه شبل فقال‏:‏ أصبح الملك ثابت الآساس بالبهاليل من بني العابس طلبوا وتر هاشم فشفوها بعد ميلٍ من الزمان وياس لا تقيلن عبد شمسٍ عثارًا واقطعن كل رقلةٍ وغراس ذلها أظهر التودد منها وبها منكم كحر المواسي ولقد غاظني وغاظ سوائي قربهم من تنمارقٍ وكراسي أنزلوها بحيث أنزلها الل ه بدار الهوان والإتعاس والقتل الذي بحران أضحى ثاويًا بين غربةٍ وتناس يسمع أنين بعهم حتى ماتوا جيمعًا وأمر عبد الله ابن علي بنبش قبور بني أمية بدمشق فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان فلم يجدوا فيه إلا خيطًا مثل الهباء ونبش قبر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فوجدوا فيه حطامًا كأنه الرماد ونبش قبر عبد الملك فإنه وجد صحيحًا لم يبل منه إلا أرنبة أنفه فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح‏.‏

وتتبع بني امية من أولاد الخلفاء وغيرهم فأخذهم ولم يفلت منهم إلا رضيع أو من هرب إلى الأندلس فقتلهم بنهر أبي فطرس وكان فيمن قتل‏:‏ محمد بن عبد الملك بن مروان والغمر بن يزيد بن عبد الملك وعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وسعيد بن عبد الملك وقيل‏:‏ غنه مات قبل ذلك وأبو عبيدة بن الوليد بن عبد الملك وقيل‏:‏ إن إبراهيم بن يزيد المخلوع قتل معهم واستصفى كل شيء لهم من مال وغي ذلك فلما فرغ منهم قال‏:‏ بني أمية قد أفنيت جمعكم فكيف لي منكم بالأول الماضي يطيب النفس أن النار تجمعكم عوضتم منم لظاها شر معتاض منيتم لا أقال الله عثرتكم بليث غاب إلى الأعداء نهاض إن كان غيظي منكم لفوتٍ فلقد منيت منكم بما ربي به راض وقيل‏:‏ إن سديفًا أنشد هذا الشعر للسفاح ومعه كانت الحادثة هو الذي قتلهم‏.‏

وقتل سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس بالبصرة أيضًا جماعةً من بني أمية عليهم الثياب الموشية المرتفعة وأمر بهم فجروا بأرجلهم فألقوا على الطريق فأكلتهم الكلاب‏.‏

فلما رأى بنو أمية ذلك اشتد خوفهم وتشتت شملهم واختفى من قدر على الاختفاء وكان ممن اختفى منهم عمرو بن معاوية بن عمرو بن سفيان بن عتبة بن أبي سفيان‏.‏

قال‏:‏ وكنت لا اتي مكانًا إلا عرفت فيه فضاقت على الأرض فقدمت على سليمان بن علي وهو لا يعرفني فقلت‏:‏ لفظتني البلاد إليك ودلني فضلك عليك فإما قتلتني فاسترحت وإما رددتني سالمًا فامنت‏.‏

فقال‏:‏ ومن أنت فعرفته نفسي فقال‏:‏ مرحبًا بك ما حاجتك فقتل‏:‏ إن الحرم اللواتي أنت أولى الناس بهن وأقربهم إليهن قد خفن لخوفنا ومن خاف خيف عليه‏.‏

قال‏:‏ فبكى كثيرًا ثم قال‏:‏ يحقن الله دمك ويوفر مالك ويحفظ حرمك‏.‏

ثم كتب إلى السفاح‏:‏ يا أمير الؤمنين إنه قد وفد وافد من بني أمية علينا وإنا قتلناهم على عقوقهم لا على أرحامهم فإننا يجمعنا وإياهم عبد مناف والرحم تبل ولا تقتل وترفع ولا توضع فإن رأى أمير المؤمنين أن يهبهم لي فليفعل وإن فعل فليجعل كتابًا عامًا إلى البلدان نشكر الله تعالى على نعمه عندنا وإحسانه إلينا‏.‏

فأجابه إلى ما سأل فكان هذا أول أمان بني أمية‏.‏

وفي هذه السنة بيض حبيب بن مرة المري وخلع هو ومن معه من أهل البثنية وحوران وكان خلعهم قبل خلع أبي الورد فسار إليه عبد الله وقاتله دفعاتٍ وكان حبيب من قواد مروان وفرسانه‏.‏

وكان سبب تبييضه الخوف على نفسه وقومه فبايعته قيس وغيرهم ممن يليهم‏.‏

فلما بلغ عبد الله خروج أبي الورد ةتبييضه دعا حبيبًا إلى الصلح فصالحه وآمنه ومن معه وسار نحو أبي الورد‏.‏